المطرب والموسيقي العالمي "سامي يوسف "منحه المواصفات العالمية :
الفن (الملتزم) .. في مواجهة (العُري) كليب !
* قراءة وتحليل / عبد الحبيب العزي - مارس 2006- مجلة الأسرة والتنميةتوطـئـة :
الفن الملتزم .. الأغاني الإسلامية .. الفن البديل ..
مصطلحات كثيرة باتت تطلق اليوم على ما كان يعرف في وقت سابق بالنشيد الإسلامي ، والذي كان ينحصر على جماعات معينة ذات خلفية فكرية إسلامية ، وبأساليب نمطية وتقليدية لا تكاد تتعدى “ الدف “ في أحسن أحوالها .
سامي يوسف .. ذلك القادم من أعماق المادية الغربية ، متخطياً الحدود والجغرافيا ، استطاع بكل رقة وعذوبة أن يحرك الساكن ، ويخلخل الراكد ، ويلمس أوتار قلوب الملايين في كل أنحاء العالم ، ليوصل ذلك الفن إلى مستوى العالمية ، منافساً وبقوة العشرات من أغاني الفيديو كليب لمشاهير المطربين ، وليحصل على مراتب متقدمة في سباق الفيديو كليب في العشرات من الفضائيات العربية والعالمية .
فهل ياترى خرج هذا الفن من قمقمه الضيق ، وعباءته التقليدية ، ليلحق بقطار ( الفيديو كليب ) الذي كادت سرعته تسابق سرعة الضوء في مجتمع القرية الكونية ؟! وهل يعد هذا الخروج تمرداً على الموروث القيمي الذي ظلت تحافظ عليه تلك الجماعات طوال العقود الماضية ؟! ثم هل سينجح في مواجهة موجة ( العري كليب ) التي اشتد سعارها مؤخراً ؟!
هذا ما سنحاول قراءته بين ثنايا السطور التالية :
المطرب " سامي يوسف " :
كومض في الظلام ، أو طوق نجاة في فيضان من الغناء ، الغث منه والسمين ، جاء هذا الصوت الهامس الحالم ، ليعلو فوق كل هذا الصخب ، ويلفت الأنظار ، ويسكت الأصوات ، ويخترق الآذان ، وكأنما هبط على الأرض من الفضاء الخارجي ، أو كأنه صادرٌ من كوكب آخر ، ليؤكد أنه رغم كل شيء ما زالت الكلمة الصادقة الهادفة ، واللحن الراقي تحرز السبق وتزيح من طريقها كل عقبة ، لتصل من الآذان إلى القلوب .
سامي يوسف .. الأذربيجاني الأصل ، الإنجليزي المولد ، ولد لأسرة تهتم بالموسيقى والفن ، فوالده موسيقي وملحن وشاعر ، وقد درس هو بدوره الموسيقى الغربية ، ثم أضاف إليها الموسيقى الشرقية بحرارتها المعهودة ، من خلال كلمات يكتبها في غالب الأوقات لنفسه بنفسه ، ليجعل من كلماته وألحانه مرآة لفكره .
فرغم أن سامي يوسف وُلد فقط قبل خمسة وعشرين عاما ، إلا أنه استطاع أن يخطو خطوات رائدة في مجال التأليف الموسيقي والأغاني ، واستطاع أن يصل إلى العالمية خلال فترة وجيزة ، حتى أن ألبومه الأول ( المعلم ) الذي صدر قبل عامين فقط ، تخطى المليون نسخة خلال فترة وجيزة ، وقد فازت أغنية (المعلم) بالمرتبة الأولى لعام 2004 بين كل الأغاني المعروضة على عشرات الفضائيات العربية والعالمية ، كما استطاع سامي الذي يقدم موسيقى عالمية مميزة ، مع فنٍ راقٍ وملتزم ، أن يخترق صناعة الفيديو كليب ، وأن يقدم أغنيات فيديو كليب تحمل مواصفات عالمية راقية وملتزمة إلى حد بعيد ، وأصبحت تلك الكليبات تُبث في عشرات المحطات التلفزيونية في كثير من دول العالم ، حيث كان آخرها أغنـية ( حسبي ربي ) والتي تم تصويرها في كل من مصر وتركيا والهند ، بالإضافة إلى أنها جمعت بين عدة لغات هي العربية والتركية والهندية ، وهي الأغنية التي زادت من رصيد نجوميته حتى صار محط أنظار مشاهير المطربين أنفسهم .
ويتحدث سامي عن إحدى طموحاته في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة مؤخراً عبر برنامج ( بلاحدود) قائلا : " أطمح أن أقدم مقطوعات سيمفونية ، وأن تكون معزوفة بأوركسترا ، لكن من حيث مهمتي ورسالتي .. أنا أريد لموسيقاي أن تُسمع من قِبل الإنسانية جمعاء ، كما أريد أن أكون جزءاً من بناء صناعة موسيقية إسلامية ، لها علاقة بالتسلية والترويح ، ولكن مع التثقيف والتربية أيضاً ، بمعنى آخر مزيج بين التعليم والترويح والتسلية " .
وبالإضافة لسامي يوسف .. فهناك العشرات من نجوم الفن الملتزم الذين برزوا مؤخراً على بعض الفضائيات العربية ، أبرزهم الفنان التركي " مسعود كيرتس" والسوري " موسى مصطفى " واليمني " عبد القادر قوزع " وأيضاً محمد الهاجري ، وعماد رامي وميس شلش وآخرون .
سامي يوسف في مهرجان صيف صنعاء 2006م
ومن المتوقع أن يشارك المطرب العالمي سامي يوسف في حفلات صيف صنعاء 2006م ، والذي سيكون في الفترة من 10 يوليو وحتى 10 أغسطس القادم ، وذلك بحسب تصريح لوزير السياحة نُشر مؤخراً في ملحق الثورة السياحي الذي يصدر كل خميس .
كما سيشارك العديد من نجوم الغناء والطرب العرب في المهرجان مثل أحمد فتحي وأصيل أبو بكر ، والترتيبات جارية لحضور كاظم الساهر ومحمد عبده .
الجدير بالذكر أن سامي يوسف يتصدر قائمة المستضافين للمهرجان ويُتوقع أن يغني في قاعة المؤتمرات بصنعاء .
العُري كليب : ( قلة الملابس ) سر النجاح :
يرى الكثير من المهتمين بالشأن الفني في العالم العربي ، أن بروز ظاهرة "العري كليب" أضحى بوابة عبور لبعض الفتيات ، يساهمن من خلالها في تدني مستوى الذوق الفني لدى الجمهور ، وفي نشر فن يُهيِّج الغرائز ، ويسيء للقيم والأخلاق ، وأهم الجهات التي تقف وراء الترويج لتلك الظاهرة – بحسب النقاد - هي بعض القنوات الفضائية سيئة السمعة ، التي تعرفون معظمها بكل تأكيد ، فقد فتحت أبواب شاشاتها على مصراعيه ، لاستقبال تلك الكليبات المليئة بـ ( التأوهات ) التي يستحي من النظر إليها حتى إبليس نفسه .
ومن البارزات حالياً على هذه الساحة ، المغنية التونسية ( سيئة السمعة ) " نجلاء " والتي اشتهرت لدى البعض في مصر بـ ( مطربة الحصان ) وللحصان هذا ( مع نجلاء ) قصة تثير غرائز الحيوانات أنفسهم فكيف ببني آدم ، فقد صرحت ( سيئة الذكر والسمعة ) بكل جرأة ووقاحة انها قد قضت على "روبي" بالضربة القاضية ، حيث قالت ما نصه : " إن الفرق بيني وبينها ، أنني شخصياً أُفضِّل الحصان على الدراجة الرياضية ، التي استخدمتها في أغنيتها الأخيرة ، فالدراجة من وجهة نظري لا يوجد بها إحساس ، ولكن الحصان يوجد به إحساس كبير ، وأكبر دليل على ذلك هو أن المخرج لم يستطع إظهار صورة الحصان بالكامل ، وذلك لأن أعراض تأثره الجنسي كانت قد بدت عليه في المشاهد التي جمعتنا معا ".
ونجلاء ، التي جاءت من تونس لاحتراف الرقص الشرقي في مصر ، أوصدت رقابة المصنفات الفنية أبوابها أمامها ، بقرار منع الراقصات الأجانب من الرقص في مصر وإلغاء تصاريحهن ، فلم تجد طريقاً لها سوى طريق العُري كليب لتحقيق الشهرة ، بدلاً من العودة إلى تونس خائبة فاشلة في تحقيق هدفها المنشود ، الذي يعتمد على دغدغة غرائز المراهقين في المقام الأول .
اللي تقلع أكتر .. تنجح أكتر :
ولم تكد ثورة نجلاء ( سيئة السمعة ) تهدأ ، حتى ظهرت "غدير" لتقدم أغنية "تِخِف تِعُوم" وهذه الاغنية حسب ما يراها المشاهد ، تكاد تكون منطبقة تماما على تخفيف ملابسها إلى أقصى درجة ، وقد قالت بالحرف الواحد ما نصه : " اللي تقلع اكتر .. تنجح اكتر" ، ولكنها استدركت قائلة : "بس ما تكونش عريانة قوي " .. فالإثارة إذاً هي سر نجاح المطربات في هذا الزمن الرديء ، بل يمكن القول أكثر من ذلك بأن هذه الأغاني تروج للدعارة .
ومن جهتها تؤكد "روبي" أنها حرة فيما ترتديه من ملابس ، جاء ذلك أثناء تقدمها لاختبارات لجنة القيد بنقابة الممثلين المصريين ، مما استفز أعضاء اللجنة الذين وافقوا بالإجماع على رسوبها .
ويقول د . عاطف عدلي العبد - مدير مركز بحوث الرأي العام ، والأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة : " للأسف فإن مواثيق الشرف الإذاعية تخلو من أية مواد حول هذه الأغاني المصورة ، والجهات العامة والموكل إليها تنظيم مهنة الإعلام ، لا تهتم بتلك الآثار البالغة الخطورة ، ولم نسمع عن اجتماع للجنة التنسيق بين الفضائيات العربية خُصِّص لدراسة أثر هذا العري ، وتسليع جسد المرأة ، على مستقبل أطفالنا ، وكذلك المراهقين ، وهم نصف الحاضر وكل المستقبل" .
الفن الملتزم والمتغيرات السياسية :
بحسب دراسة أمريكية قام بها مؤخراً باحثون في معهد كارنيجي للأبحاث والدراسات بواشنطن ، فإنه على المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية وكافة الدول العربية ، أن تتعاطى وتتحاور مع الحركات الإسلامية المعتدلة ، أو ما يحلو للبعض أن يطلق عليها بـ ( حركات الإسلام السياسي ) ، وذلك لأنها القوى الحقيقية القادمة ، واللاعب الرئيسي في العمليات الديمقراطية على الأرض في الصعيد السياسي .
ولأن ظاهرة الفن الملتزم هي نابعة أساساً من نفس ذلك الفكر الإسلامي – وليس بالضرورة السياسي – فهي إذاً تلتقي مع تلك الحركات الإسلامية في المنظومة القيمية والموروث الفكري ، وبالتالي فبروزها ربما كان منسجماً ومتناغماً مع النمو المطّرد لتلك الحركات على المستوى السياسي .
فنلاحظ أن ثمة تحولات كبيرة حدثت لتلك الحركات في الفترات الأخيرة ، ربما كان جزءاً من أسبابها الظروف والمتغيرات السياسية في المنطقة العربية وفي العالم اجمع ، والجزء الآخر يحمل بُعداً استراتيجياً في تلك التحولات ، التي شملت الخطاب السياسي ، وأساليب العمل ، بل وحتى الاستراتيجيات أيضاًَ ، ويحصل بالمثل لظاهرة الفن الملتزم ، ولكن يبقى السؤال .. من يسير وراء من؟! ومن يتبع الآخر .. السياسة .. أم الفن ؟!
قنوات للأغاني الإسلامية :
على إثر بروز الفن الملتزم كظاهرة وكموجة عالمية في الآونة الأخيرة استقطبت ملايين المشاهدين في أنحاء مخنلفة من العالم ، بدأت تظهر قنوات متخصصة في تقديم ذلك النوع من الفن تحت مسمى الأغاني الإسلامية ، مثل قناة ( النجاح كليب ) وهي واحدة من مجموعة قنوات ( اسمارتس واي ) .
كما صدرت تصريحات للدكتور / طارق السويدان أثناء إلقاءه لكلمة افتتاح قناة الرسالة التي يديرها ، بأن هذه القناة ماهي إلاّ بداية لنواة ستضم شبكة قنوات متعددة ، منها قناة ستخصص للأغاني الإسلامية ، وقال بأن سمو الأمير الوليد بن طلال قد وعد بذلك قريباً ، والجدير ذكره أن الوليد بن طلال هو الممول لقناة الرسالة ، ورئيس مجلس إدارتها ، ويُتوقع أن تظهر العديد من القنوات التي تبث الفن الملتزم خلال السنوات القادمة باعتباره - كما يرى البعض - البديل عن صناعة الفيديو كليب المبتذل .
تقليد .. اقتباس .. أم سرقة :
من حين لآخر تبرز لنا على الساحة المحلية أصوات متعددة ، وبما يشبه الظاهرة ، لعدد من المنشدين – بعضهم من المعروفين على الساحة المحلية بكل أسف – يظهرون وهم ينتحلون ألحاناً لأغانٍ قدمها مطربون مشهورون على مستوى العالم العربي ، ونالت شهرة كبيرة ، ويقوم هؤلاء المنشدون بأخذ تلك الألحان وتغيير كلمات الأغنية فقط ، ثم يصنعون منها أشرطة كاسيت تباع في الاسواق ، ويُرَوَّج لها في محلات بيع أشرطة الكاسيت ، دون أدنى مراعاة للحقوق الأدبية والقانونية لتلك الألحان .
قد يقول بعض أولئك المنشدين أنهم يفعلون ذلك بدافع حسن النية ، وهو إيصال الكلمة الهادفة إلى الناس ، ولكن من خلال أقصر الطرق ، وهو استخدام تلك الألحان المشهورة التي قد ترسخت بأذهان الناس ، تحت مسمى الاقتباس ، الذي هو في نظر الكثيرين مجرد تقليد ليس أكثر ، وما هو إلاً انعكاس لعدم مقدرتهم على الابتكار وإنتاج ألحان تخصهم ، بل إن البعض ذهب بعيداً واعتبر ذلك سرقة لا تجوز أصلاً .
ونحن نرى أنه في كل الأحوال ، وأياً كانت التسميات لمثل تلك الظاهرة ، فإنها تسيء بشكل كبير للفن الملتزم الذي هو محور تحليلنا في هذه القراءة ، لأنه في النهاية لن يصح إلاً الصحيح كما يقال .
ومما يؤسف له أيضاً أن بعضاً من الشركات التجارية تستخدم نفس ذلك الأسلوب أيضاً في الريبورتاجات الإعلانية لمنتجاتها ، فهل ذلك دليل إفلاس وعدم مقدرة على الابتكار أيضاً .
ماذا يقول الشيخ القرضاوي :
الدعوة بالفن
أوضح الشيخ القرضاوي في حوار مع صحيفة الوطن القطرية ، والمنشور على موقعه على النت أيضاً أنه لا بد ان نجند الفن بأشكاله المختلفة لخدمة الإسلام والدفاع عنه ، سواء كان فناً مصوراً أو مقروءاً أو مسموعاً ، فالكلمة الطيبة والصورة الراقية الجميلة ، يمكن ان تكون سفيراً لتعريف الناس وإقناعهم بالإسلام .
جوهر الإسـلام :
وأوضح الشيخ القرضاوي موقفه من سماع الموسيقى قائلاً : " بحثت مسألة الموسيقى والسماع وموقف الإسلام منها ، وبعد بحث عميق ومتأنٍ لم أجد أي نص يُحرِّم سماع الموسيقى ، وكل الاحاديث التي تقال بشأنها احاديث ضعيفة ، وأرى ان الموسيقى المحرمة هي التي تثير الغرائز ، مثل موسيقى الهيبز والديسكو ، التي لا يستطيع عاقل ان يسمعها او يستريح لها ، واقول إن المبالغة في تحريم الموسيقى لا تتفق مع جوهر الاسلام .
ختاماً :
أردنا القول من خلال قراءتنا لما بين ثنايا السطور السابقة ، أنه مع اشتداد حمى سباق اغاني الفيديو كليب التي وصلت حداً لا يوازيه إلاّ سباق التسلح النووي ، من هول فظاعته وقدراته التدميرية ، حيث لا نجد في قواميس الألفاظ والمصطلحات ما نطلقه عليه حقيقة إلاّ أن نقول عنه أنه سباق عُري وسباق دعارة .. ولكن ...!
وكما هي سنة الله سبحانه وتعالى في كونه على مر العصور والأزمان ، أن نور الفجر لا يبزغ إلاّ من قلب الظلام الحالك ، فقد بدأت ملامح رؤية جديدة للفن الملتزم تلوح في الأفق ، لتنذر بفجر جديد للطرب الأصيل وللفن الراقي والنظيف ، الذي يرتقي بالإنسان وذوقه ، ويجسد قيم واخلاق مجتمعه ، وليواكب تلك التطورات الهائلة في عالم الصوت والصورة ، بكلمات رقيقة وعذبة تصل إلى القلوب قبل الآذان .
المراجـع :
- الجزيرة نت . - القرضاوي نت .
- موقع سامي يوسف . - صحيفة دنيا الوطن .
* نُشر في العدد (35) من مجلة الأسرة والتنمية - مارس2006